0 تصويتات
بواسطة
نقد كتاب طبقات الشعراء لابن المعتز؟ اهلا بكم في موقع نصائح من أجل الحصول على المساعدة في ايجاد معلومات دقيقة قدر الإمكان من خلال إجابات وتعليقات الاخرين الذين يمتلكون الخبرة والمعرفة بخصوص هذا السؤال التالي : . نقد كتاب طبقات الشعراء لابن المعتز؟ وفي النهاية بعد ما قدمنا الإجابة لكم في الأسفل علي سؤالكم نقد كتاب طبقات الشعراء لابن المعتز؟ نتمنى لكم النجاح والتفوق في حياتكم، ونرجو أن تستمروا في مواصلة زيارة موقع tipsfull.com وأن تواصلوا الحفاظ على طاعة الله وفعل الخيرات ومساعدة الاخرين.

 

 اذا لم تجد الإجابة او الإجابة خاطئة اكتب لنا تعليقاً

3 إجابة

0 تصويتات
بواسطة مجهول
النقد الأدبي عند ابن المعتز
أولا : المقدمة وقد اشتملت على غاية مناهج النقد الأدبي ووظيفتها  وتمهيد حول مفهوم النقد ومفهوم المنهج الأدبي والنقد العربي القديم وبعض القضايا التي أثيرت فيه .
ثانيا : التعريف بالمؤلف وتناول بعض ما قاله عنه الأدباء والنقاد .
ثالثاً : منزلة الكتاب وأهميته النقدية .
رابعاً : القضايا النقدية التي ناولها الكتاب .
خامساً : عرض المنهج النقدي الذي اتبعه الناقد .
سادساً : طريقة الناقد في عرض القضايا النقدية .
سابعاً : المراجع والمصادر .
ثامنا ً : خاتمة .


أولا المقدمة :
يعدّ «العمل الأدبي» بمفهومه الدقيق، المجال الحيوي والحيز المعرفي الإدراكي الذي تدور في فلكه وتتمحور حوله «مناهج النقد الأدبي». «فالعمل الأدبي» هو موضوع النقد ومحوره. ولعل تعريف «العمل الأدبي» يضعنا في صورة هذا المجال، ويوجد القواسم المشتركة على الصعيد الإدراكي لتعرف هذا المفهوم المفتاحي في مناهج النقد الأدبي برمتها.
غاية مناهج النقد الأدبي ووظيفتها :
للنقد الأدبي غايات متعددة تتلخص في تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية، وبيان قيمته الموضوعية، وقيمته الشعورية والتعبيرية، وتعيين مكانته ورتبته وحجم الإضافة التي أضافها إلى التراث الأدبي في لغته بوجه خاص، وفي العالم الأدبي برمته بوجه عام.
ويمكننا إيجاز هذه الغايات أو الوظائف فيما يلي:
أولاً: تقييم «العمل الأدبي» وتقويمه، في الوقت ذاته، من الناحية الفنية، وبيان قيمته الموضوعية على قدر الإمكان، لأن الذاتية في تقدير العمل الأدبي هي أساس الموضوعية فيه. ولعل من العبث بمكان محاولة تجريد الناقد وهو ينظر إلى العمل الأدبي فيقومه من ذوقه الخاص وميوله النفسية، واستجاباته الذاتية لهذا العمل.
ثانياً: تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب، فمن كمال تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية التعرف إلى مكانه ورتبته في خط سير الأدب الطويل، وتحديد مدى إضافته النوعية إلى التراث اللغوي والأدبي في لغته الأم، والتراث الإنساني الأدبي بوجه عام، واعتبار مدى التجدد أو التجديد والإبداع الحاصل فيه.
ثالثاً: تحديد مدى تأثر العمل الأدبي المدروس بمحيطه الأدبي والبيئي على حد سواء، ومدى تأثيره فيه بالمقابل.
رابعاً: محاولة تصوير سمات صاحب العمل الأدبي من خلال ما يظهر من كتاباته وأعماله الأدبية، وبيان خصائصه الشعورية والتعبيرية، والكشف عن العوامل النفسية التي تشاركت في بلورة هذه الأعمال والخصائص ووجهتها هذه الوجهة المعينة، دون تمحل ولا تكلف ولا جزم حاسم.وعلى الرغم من التعدد الكبير الذي تعرفه مناهج النقد الأدبي، وفي ضوء تزايد أعدادها وتنوع الجوانب التي تخصها بالدراسة في العمل الأدبي، وفي ظل تنوع المناهج العلمية والوضعية التي تستند إليها في دراسة العمل الأدبي وسبر أغواره وبيان خصائصه.
ولابن المعتز منزلة كبيرة في البيان العربي؛ فقد ألف فيه كتابه "البديع" الذي عدَّد فيه شتى أساليب ومحاسن الشعر كما عرفها ابن المعتز وعصره. وهذا الكتاب ليس قاصرًا على البديع بالمعنى الضيق المحدود؛ لأن ابن المعتز يذكر فيه التشبيه والاستعارة وهما من صميم البيان العربي، ويذكر فيه الكناية؛ ولكنه يريد بها معناها اللغوي، وهو أهم من المعنى الاصطلاحي المعروف. فإذا قلنا: إن ابن المعتز ألَّف في البيان، فقد سرنا في الحق والتفكير السليم، وإذا قلنا: إنه ألف في البديع، فقد ضيقنا دائرة البحث بغير مبرِّر، وإن كان البديع في الاصطلاح المتأخر جزءًا من البيان، وإن كان البديع بالمعنى القديم المعروف عن بعض علماء البلاغة يرادف كلمة البيان أو البلاغة.
فابن المعتز -إذن- ذو أثر كبير في البديع، وعلى وجه الدقة له أثره في البيان العربي ودراساته، وذلك ما سنتناوله الآن بالبحث والتحليل. ولكن قبل ذلك سوف نتعرض في هذه المقدمة لمفهوم النقد ومفهوم المنهج الأدبي ولمفهوم النقد العربي القديم وبعض القضايا التي أثيرت فيه :
?مفهـوم النقـد :النقد عملية وصفية تبدأ بعد عملية الإبداع مباشرة ، وتستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته قصد تبيان مواطن الجودة و الرداءة. ويسمى الذي يمارس وظيفة مدارسة الإبداع ومحاكمته الناقد ؛لأنه يكشف ماهو صحيح وأصيل في النص الأدبي ويميزه عما هو زائف ومصطنع. لكن في مرحلة مابعد البنيوية و مع التصور السيميوطيقي وجمالية التقبل، استبعد مصطلح الناقد وصار مجرد قارئ يقارب الحقيقة النصية ويعيد إنتاج النص وبناءه من جديد . وتسمى مهمة الناقد بالنقد وغالبا ما يرتبط هذا الأخير بالوصف والتفسير والتأويل والكشف والتحليل والتقويم. أما النص الذي يتم تقويمه من قبل الناقد يسمى بالنص المنقود.
هذا، ويخضع النقد لمجموعة من الخطوات و الإجراءات الضرورية التي تتجسد في قراءة النص وملاحظته وتحليله مضمونا وشكلا ثم تقويمه إيجابا وسلبا. وفي الأخير، ترد عملية التوجيه وهي عملية أساسية في العملية النقدية لأنها تسعى إلى تأطير المبدع وتدريبه وتكوينه وتوجيهه الوجهة الصحيحة والسليمة من أجل الوصول إلى المبتغى المنشود .وإذا كانت بعض المناهج النقدية تكتفي بعملية الوصف الظاهري الداخلي للنص كما هو شأن المنهج البنيوي اللساني والمنهج السيميوطيقي، فإن هناك مناهج تتعدى الوصف إلى التفسير والتأويل كما هو شان المنهج النفسي والبنيوية التكوينية و المنهج التأويلي(الهرمونيتيقي  (
وللنقد أهمية كبيرة لأنه يوجه دفة الإبداع ويساعده على النمو والازدهار والتقدم، ويضيء السبيل للمبدعين المبتدئين والكتاب الكبار. كما أن النقد يقوم بوظيفة التقويم والتقييم ويميز مواطن الجمال ومواطن القبح، ويفرز الجودة من الرداءة، والطبع من التكلف والتصنيع والتصنع. ويعرف النقد أيضا الكتاب و المبدعين بآخر نظريات الإبداع والنقد ومدارسه وتصوراته الفلسفية والفنية والجمالية، ويجلي لهم طرائق التجديد و يبعدهم عن التقليد.
?مـــفهــــوم المنهــــج النقدي :إذا تصفحنا المعاجم والقواميس اللغوية للبحث عن مدلول المنهج فإننا نجد شبكة من الدلالات اللغوية التي تحيل على الخطة والطريقة والهدف والسير الواضح والصراط المستقيم. ويعني هذا أن المنهج عبارة عن خطة واضحة المدخلات والمخرجات، وهو أيضا عبارة عن خطة واضحة الخطوات والمراقي تنطلق من البداية نحو النهاية. ويعني هذا أن المنهج ينطلق من مجموعة من الفرضيات والأهداف والغايات ويمر عبر سيرورة من الخطوات العملية والإجرائية قصد الوصول إلى نتائج ملموسة ومحددة بدقة مضبوطة.
ويقصد بالمنهج النقدي في مجال الأدب تلك الطريقة التي يتبعها الناقد في قراءة العمل الإبداعي والفني قصد استكناه دلالاته وبنياته الجمالية والشكلية. ويعتمد المنهج النقدي على التصور النظري والتحليل النصي التطبيقي. ويعني هذا أن الناقد يحدد مجموعة من النظريات النقدية والأدبية ومنطلقاتها الفلسفية والإبستمولوجية ويختزلها في فرضيات ومعطيات أو مسلمات، ثم ينتقل بعد ذلك إلى التأكد من تلك التصورات النظرية عن طريق التحليل النصي والتطبيق الإجرائي ليستخلص مجموعة من النتائج والخلاصات التركيبية. والأمر الطبيعي في مجال النقد أن يكون النص الأدبي هو الذي يستدعي المنهج النقدي ، والأمر الشاذ وغير المقبول حينما يفرض المنهج النقدي قسرا على النص الأدبي على غرار دلالات قصة سرير بروكوست التي تبين لنا أن الناقد يقيس النص على مقاس المنهج. إذ نجد كثيرا من النقاد يتسلحون بمناهج أكثر حداثة وعمقا للتعامل مع نص سطحي مباشر لايحتاج إلى سبر وتحليل دقيق، وهناك من يتسلح بمناهج تقليدية وقاصرة للتعامل مع نصوص أكثر تعقيدا وغموضا. ومن هنا نحدد أربعة أنماط من القراءة وأربعة أنواع من النصوص الأدبية على الشكل التالي: قراءة مفتوحة ونص مفتوح • قراءة مفتوحة ونص مغلق؛ قراءة مغلقة ونص مفتوح قراءة مغلقة ونص مغلق.
وتتعدد المناهج بتعدد جوانب النص ( المؤلف والنص والقارئ والمرجع والأسلوب والبيان والعتبات والذوق....)، ولكن يبقى المنهج الأفضل هو المنهج التكاملي الذي يحيط بكل مكونات النص الأدبي.
?النقد االعربــــــي القديــــــم : ظهر النقد الأدبي عند العرب منذ العصر الجاهلي في شكل أحكام انطباعية وذوقية وموازنات ذات أحكام تأثرية مبنية على الاستنتاجات الذاتية كما نجد ذلك عند النابغة الذبياني في تقويمه لشعر الخنساء وحسان بن ثابت. وقد قامت الأسواق العربية وخاصة سوق المربد بدور هام في تنشيط الحركة الإبداعية والنقدية. كما كان الشعراء المبدعون نقادا يمارسون التقويم الذاتي من خلال مراجعة نصوصهم الشعرية وتنقيحها واستشارة المثقفين وأهل الدراية بالشعر كما نجد ذلك عند زهير بن أبي سلمي الذي كتب مجموعة من القصائد الشعرية التي سماها "الحوليات " و التي تدل على عملية النقد والمدارسة والمراجعة الطويلة والعميقة والمتأنية . وتدل كثير من المصطلحات النقدية التي وردت في شعر شعراء الجاهلية على نشاط الحركة النقدية وازدهارها كما يبين ذلك الباحث المغربي الشاهد البوشيخي في كتابه" مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والمسلمين".
وإبان فترة الإسلام سيرتبط النقد بالمقياس الأخلاقي والديني كما نلتمس ذلك في أقوال وآراء الرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .وسيتطور النقد في القرن الأول الهجري وفترة الدولة العباسية مع ابن قتيبة والجمحي و الأصمعي والمفضل الضبي من خلال مختاراتهما الشعرية وقدامة بن جعفر وابن طباطبا صاحب عيار الشعر والحاتمي في حليته وابن وكيع التنيسي وابن جني والمرزوقي شارح عمود الشعر العربي والصولي صاحب الوساطة بين المتنبي وخصومه...
هذا، ويعد كتاب" نقد الشعر" أول كتاب ينظر للشعرية العربية على غرار كتاب فن الشعر لأرسطو لوجود التقعيد الفلسفي والتنظير المنطقي لمفهوم الشعر وتفريعاته التجريدية. بينما يعد أبو بكرالباقلاني أول من حلل قصيدة شعرية متكاملة في كتابه" إعجاز القرآن"، بعدما كان التركيز النقدي على البيت المفرد أو مجموعة من الأبيات الشعرية المتقطعة. وفي هذه الفترة عرف النقاد المنهج الطبقي والمنهج البيئي والمنهج الأخلاقي والمنهج الفني مع ابن سلام الجمحي صاحب كتاب" طبقات فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام"، والأصمعي صاحب "كتاب الفحولة "، وابن قتيبة في كتابة" الشعر والشعراء"، والشعرية الإنشائية خاصة مع قدامة بن جعفر في "نقد الشعر" و"نقد النثر". واعتمد عبد القاهر الجرجاني على نظرية النظم والمنهج البلاغي لدراسة الأدب وصوره الفنية رغبة في تثبيت إعجاز القرآن وخاصة في كتابيه" دلائل الإعجاز" و" أسرار البلاغة". ولكن أول دراسة نقدية ممنهجة حسب الدكتور محمد مندور هي دراسة الآمدي في كتابه:" الموازنة بين الطائيين: البحتري وأبي تمام". وقد بلغ النقد أوجه مع حازم القرطاجني الذي اتبع منهجا فلسفيا في التعامل مع ظاهرة التخييل الأدبي والمحاكاة وربط الأوزان الشعرية بأغراضها الدلالية في كتابه الرائع" منهاج البلغاء وسراج الأدباء" والسجلماسي في كتابه" المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع"، وابن البناء المراكشي العددي في كتابه"الروض المريع في صناعة البديع".
ومن القضايا النقدية التي أثيرت في النقد العربي القديم قضية اللفظ والمعنى وقضية السرقات الشعرية وقضية أفضلية الشعر والنثر وقضية الإعجاز القرآني وقضية عمود الشعر العربي وقضية المقارنة والموازنة كما عند الآمدي والصولي، وقضية بناء القصيدة عند ابن طباطبا وابن قتيبة، وقضية الفن والدين عند الأصمعي والصولي وغيرهما... وقضية التخييل الشعري والمحاكاة كما عند فلاسفة النقد أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد والقرطاجني وابن البناء المراكشي والسجلماسي... لكن هذا النقد سيتراجع نشاطه مع عصر الانحطاط ليهتم بالتجميع وكتابة التعليقات والحواشي مع ابن رشيق القيرواني في كتابه" العمدة " وابن خلدون في" مقدمته .
0 تصويتات
بواسطة مجهول
ثانياً : التعريف بالمؤلف :
هو عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، أبو العباس، ولد سنة 247هـ، قَتَل أتراكُ القصر وخصيانُه أباه المعتز، ونُفيَ هو إلى مكة وهو في مقتبل العمر، وعاش في كنف جدة صُودِرَتْ أموالهُا. وبعد عودته إلى سُرَّ من رأى ثم إلى بغداد، ظلت حياته مضطربة تعاني ابتلاءات الدولة العباسية، فانصرف يلتمس السلوى في اللهو والمجون جانبا من حياته، ولكن هذا الجانب لم يستطع أن يُخفي صورة علَمٍ من أعلام الشعر العربي، ومؤلف له حضوره في تاريخ الثقافة العربية. ولما أُطيح بالمقتدر في سنة 296هـ، بويع عبد الله، لكن خلافته لم تستمر أكثر من يوم وليلة. ومات ابن المعتز مقتولا في تلك السنة، فكان حلقة في سلسلة مهزلة الإطاحة بخلفاء بني العباس على أيدي الأتراك منذ عهد جده المتوكل(247هـ).
وقد أخذ ابن المعتز الأدب عن كل من أبي العباس المبرد ( 286هـ)، وأبي العباس ثعلب (291هـ )،وهما أشهر علمين من أعلام المرحلة. واختص به محمد بن هبيرة الأسدي المعروف بصعوداء، وعمل له رسالة فيما أنكرته العرب على أبي عبيد القاسم بن سلام ووافقته فيه.
بعض أقوال أهل التراجم والمؤلفين والمستشرقين عن ابن المعتز :
(1)           عدَّ أهل التراجم ابن المعتز في جملة الأدباء والعلماء. كان غزير الأدب شاعراً ناقدا بلاغيا. وكان مجلسه من منتديات الثقافة في عصره. وقد أخذ من كل فن من العلوم بنصيب.
يقول ياقوت الحموي(626هـ):« وقد لقي طائفة من جِلَّة العلماء كأبي العباس المبرد وثعلب، وتأدب عليهما، ولقي أبا علي الحسن بن عليل العنزي، وروى عنه، وروى عنه شعرَه جماعة منهم أبو بكر الصولي»(2).
وقال عنه ابن خلكان (681هـ):«كان أديبا بليغاً شاعراً مطبوعاً مقتدراً على الشعر،قريبَ المأخذ سهلَ اللفظ جيِّدَ القريحة،حسنَ الإبداع، مخالطاً للعلماء والأدباء معدودا من جملتهم» (3).
(2) ابن المعتز شاعر محدث: ابن المعتز أحد  شعراء البديع، وأحد أئمة الشعر المحدَث، ففي شعره وجد " رِقَّةٌ مُلُوكِيَّةٌ، وغَزَلُ الظرفاءِ، وهَلْهَلُة المحدثين" على حدِّ قول صاحب الأغاني(4).
وقال عنه ابن رشيق: « وما أعلمُ شاعراً أكمل، ولا أعجب تصنيعاً من عبد الله بن المعتز؛ فإن صَنْعَتَهُ خفيةٌ لطيفة لا تكاد تظهر في بعض المواضع إلا للبصير بدقائق الشعر، وهو عندي ألطفُ أصحابِه شعراً، وأكثرُهم بديعاً وافتتاناً، وأقربُهم قوافيَ وأوزاناً، ولا أرى وراءه غايةً لطالبها في هذا الباب»(5). وهو يرى أن علم البديع والصنعة فيه انتهيا إليه، وخُتما به(6).وابن المعتز كان ممن فُتِنوا بالتشبيه، وشهد له النقاد بالبراعة فيه، ولاحظوا أنه عكس فيه حياته المترفة. وذكر ابن رشيق أن التشبيه تَغَلَّبَ على طريقة ابن المعتز فانقادَ إليها طبعُه(7).وظلت أشعاره في التشبيه شواهد في كتب البلاغة والنقد على امتداد تاريخ الثقافة العربية. وفي العمدة :« وقالت طائفة من المتعقبين: الشعراء ثلاثة: جاهليّ وإسلاميّ ومولّد؛ فالجاهلي امرؤ القيس، والإسلاميّ ذو الرمة، والمولد ابن المعتز، وهذا قول من يُفضل البديع، وبخاصة التشبيه على جميع فنون البديع» (8).
قال عن شعره ياقوت: « فأما شعره فهو الغاية في الأوصاف والتشبيهات، يُقرُّ له بذلك كلُّ ذي فضل»(9).
وقد اعتبره د. شوقي ضيف، رحمه الله، من أصحاب مذهب التصنيع، ووجد أنه « كتَبَ في أدواته وزُخرفه كتابَه المعروف باسم كتاب البديع ، وهو يشهد بأن صاحبه كان شاعرا عالما مصنعا من أصحاب البديع»(10).
(3) ابن المعتز المؤرخ للشعر المحدث:
كان لابن المعتز دورٌ هام في دراسة الشعر المحدث من خلال مؤلفيه: طبقات الشعراء ورسالته في محاسن شعر أبي تمام ومحاسنه، بشكل خاص، وبتأليفه للبديع رسم نهجا جديدا لتذوق شعر المحدثين، مَكَّنَ النقاد من التفاعل مع ذلك الشعر في ضوء مقاييس نابعة من إبداع المحدثين.
فابن المعتز ممن أرخوا للشعر المحدث وعملوا على نشره ودراسته، فهو قد عرض في كتابه طبقات الشعراء أخبارهم ونماذج من أشعارهم  ( أثبت أشعارا تزيد على ألف وخمسمائة بيت لا توجد في كتاب سواه )(11). وغايته أن يعرض لما« وضعته الشعراء من الأشعار في مدح الخلفاء والوزراء والأمراء من بني العباس، ليكون مذكورا عند الناس»(12).
وذكر أن الناس في زمانه قد سئموا من أخبار المتقدمين وأشعارهم؛ فإن شعر القدماء« قد كثُرت رواية الناس له فملوه، وقد قيل لكل جديد لذة،والذي يُستعمل في زماننا  إنما هو أشعار المحدثين وأخبارُهم»(13). فهو ألف كتابه ليستريح الناس من أخبار المتقدمين وأشعارهم، على حد قوله.
وكتاب الطبقات جمع فيه ما يزيد على مائة وعشرين شاعرا، بدأه ببشار بن بُرد وأنهاه بالناشئ الأكبر، عرض فيه لأخبارهم، ولرأيه في بعضهم، مع اهتمامه بكثير من المغمورين من الشعراء العباسيين.« والكتاب بعد هذا سجل للحياة الأدبية بعد أن خلفت وراءها عصر العربية الخالصة بموت فحول بني أمية أوائل القرن الثاني الهجري، وفيه نرى الاتجاهات العجيبة والمحاولات التي كان يُقصدُ من ورائها تحطيم المأثور وإقامة الجديد. كما نرى الموازنات العاقلة والشروح الدقيقة والميل إلى أخذ المسائل أخذا وجدانيا بعيدا عن الجدل الذهني الذي غلب على النقد فيما بعد»(14).فابن المعتز عمل على نشر محاسن شعر المحدثين، وإذاعته بين القراء، وإطرائه والتنويه به، ولم يلتفت كثيرا لمن سلك في شعره مذاهب القدماء، فشعر بشار كان لديه« أنقى من الراحة، وأصفى من الزجاجة، وأسلس على اللسان من الماء العذب»(15).
فالمحدثون اقتدوا بالقدماء في البديع، وبهذا كان شعرهم يرتبط بوشائج فنية بالشعر القديم. ومأخذه على المحدثين إنما على إسرافهم في استعمال البديع. فأبو تمام إمام المحدَثين شُغِف بالبديع« حتى غلب عليه وتَفَرَّعَ فيه وأكثرَ منه» [ص1](16) ، فآل أمر شعره إلى التكلف نتيجة اندفاعه ومغالاته في التجديد.وهناك كتب شاركته في العناية بشعر المحدثين، أشير إلى بعضها في فهرست محمد بن إسحاق النديم:كتاب الورقة في أخبار الشعراء لمحمد بن داود 296هـ(وقد وَزِر لابن المعتز يوم خلافته )[ ص206]،
وكتب ابن طيفور، أحمد بن طاهر 280هـ في اختيارات أشعار الشعراء المحدثين [ص237] ،
وكتاب الباهر في الاختار من أشعار المحدثين والشعر والشعراء الكبير
وكتاب محاسن أشعر المحدثين لجعفر بن محمد بن حمدان الموصلي [ص240](17).
وكتاب الروضة للمبرد 285هـ [ ص63]،
وكما فعل  هارون بن علي المنجم في كتابه البارع [ص 232].
لاحظ د. أحمد درويش أن ابن المعتز يضع النثر قبل الشعر حتى في الحديث؛ ليدفع زعم المحدثين بان البديع من خصائص الشعر على الإطلاق، وهو بهذا يُحاول« أن يسحب البساط من تحت أرجل هؤلاء الشعراء مرتيْن »(18).
أما عن تصنيع ابن المعتز وتصويره في شعره، فإن د. شوقي ضيف، رحمه الله، يرى أن  ابن المعتز لم يستطع« أن ينهض بالتصنيع الذي أحدثه أبو تمام، فقد اقتصر في تصنيعه على الزُّخْرُف الحسيّ، زخرف الجناس والطباق والتصوير»(19). ويرى أن تصويره لا يحتاج إلى تأمل عميق، وأنه عَدَلَ بتصنيعه إلى التشبيه لأنه لا يحتاج بُعداً في الخيال ولا عمقا في التصوير(20).
(4) ابن المعتز العالم المتحقق بالبديع: قال أبو بكر الصولي (335هـ)- وهو العارف بشعر المحدثين، الجامع لدواوينهم -:«اجتمعتُ مع جماعة من الشعراء عند أبي العباس عبد الله بن المعتز، وكان يتحقق بعلم البديع تحققاً ينصر دعواه فيه لسانُ مذاكراته، فلم يبق مسلك من مسالك الشعراء إلا سلك بنا  شِعْباً من شِعابِه، وأوردنا أحسن ما قيل فيه».
وبعد أن أورد مجموعة من الاستعارات الجيدة من شعر لبيد وذي الرمة وجرير، أنهى الصولي قوله هكذا:« فما أحد من الجماعة انصرف من ذلك المجلس إلا وقد غمره من بحر أبي العباس ما غاض عنه معينه، ولم ينهض حتى زوَدنا من بِرِّه ولُطفه نهاية ما اتسعت له حاله»(21).ويُستفاد من قول الصولي أن فنون البديع صاحبت الشعر العربي من أقدم عهوده،
وأن ابن المعتز عُرف بين أبناء زمانه بولعه بظاهرة البديع في الشعر وبمعرفته الدقيقة به، وبأنه كان خير من استكشف نماذج تلك الظاهرة في التراث العربي، فشُهد له بالسبق فيها. فابن المعتز أحد العلماء المتحققين بالبديع، ومن أهم ما تميز به ابن المعتز أن معاصريه شهدوا له بالتحقق بالبديع؛ أي أن المعرفة المتخصصة بقضية البديع انتهت إليه، وأصبح الخبير الأول بحقيقتها، وإليه يحتكم الشعراء في شأنها.
وقال  المستشرق الروسي كراتشكوفسكي (1883 – 1951م)، محقق كتاب البديع:« إنه شاعر ذو علم واسع وخبرة شاملة بقضايا التاريخ، درس الشعر وفنونه وأشكاله كما درس الأساليب اللغوية والشعرية بدقة وإتقان، ثم كرس كل اهتمامه للكلمة وفن التعبير»(22).
واعتبر د. طه حسين عبد الله بن المعتز من كبار العلماء في القرن الثالث، والعلماء في الأدب والغناء بنوع خاص. كتب في الشعر وسرقات الشعراء وكتابه في البديع مشهور، والمتقدمون يرون أن ابن المعتز هو الذي وضع علم البديع(23).
وأرى أن ابن المعتز قرأ جانبا هاما من التراث العربي، فاستوعب حقيقته، وأحسن هضمه، وتعلق به فأبرز شخصيته من خلاله، وطبع شعره بطابعه الخاص في طور التجديد في ضوء حركة الشعر العربي في العصر العباسي. وكفاه فخراً أن يُؤلف « كتاب البديع »، وأن تتمثل في كتابه هذا انطلاقة تدوين البلاغة العربية، وأن يظل محط أنظار الدارسين على مدى السنين.
(5)  ابن المعتز والنقد الأدبي: وابن المعتز يُمثل ظاهرة الشاعر الناقد، فهو ممن مارسوا قول الشعر وضربوا بسهم في مجال النقد الأدبي، كما يتضح بشكل خاص في كتابه الطبقات، وما له من إشارات في كتابه البديع، وكان نقده قائما على الذوق العربي الأصيل. وعن مكانته النقدية اعتبره ابن رشيق:« أنقد النقاد»(24).
وقال عنه كراتشكوفسكي (1651م): «كان أديبا ناقداً، وافر العلم والثقافة، دقيق البصر بمكامن الجمال، سليم الذوق والأحكام والآراء»(25).
وجعله طه إبراهيم ممثلا لذهنية الأدباء لنقاد القرن الثالث للهجرة، وهي« طائفة درست الأدب قديمه وحديثه، وأخذت القديم عن اللغويين والنحويين، ولكنها عُنيت بالمُحدث أشد من عناية هؤلاء وحفِلت به، وأقبلت على تحليل عناصره، وما يجِدُّ فيه عهدا بعد عهد، وما بينه وبين المذهب القديم من تفاوت، تلك هي طائفة الشعراء والأدباء وعلماء الأدب. ومن أظهر الأمثلة لهؤلاء عبد الله بن المعتز، فقد كان كثير السماع، غزير الرواية، يلقى العلماء من النحويين والإخباريين، ويقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم، ولكنه كان مع ذلك بارعا في الأدب، حسن الشعر، مهتما بنقد المحدثين»(26).
وابن المعتز من أعلام النقد الأدبي، له آراء نقدية تنم عن إحساس صادق بالشعر. وقد اعتبره د. بدوي طبانة زعيم المدرسة البيانية في الحكم على الأدب وفي تذوقه(27).ويرى د. أحمد كمال زكي أن ابن المعتز بتأليفه لكتاب البديع قدم« أخطر أثر في تاريخ النقد العربي على الإطلاق، ولعله أيضا به، ثم برسالته عن أ��ي تمام، قد شحذ الهِمم إلى مناقشة آراء المجددين من الأدباء في ضوء منهج له قواعده الواضحة الثابتة»(28).
ومن أجل دراسة الجانب النقدي البلاغي عند ابن المعتز حاول د. جابر عصفور أن يتخذ من آثار ابن المعتز نصا متكاملا ينطوي على نظراته السياسية وأفكاره الاجتماعية وتصوراته الدينية وممارسته الإبداعية، وربط هذا النص بأبعاده بالصراع الذي وقع بين القدماء والمحدثين في القرن الثالث للهجرة. وسعى في دراسته هذه أن يبنيها على التصادم بين أهل الاتباع والابتداع، أي بين أهل النقل وبين أهل العقل، أي على مقولة الصراع الطبقي. فطوَّع كل شيء في ذلك النص لهذه المقولة. وما قاله د. جابر عصفور ينسحب على الآمدي وعلى القاضي الجرجاني وعلى عبد القاهر الجرجاني؛ فالصراع بين القدماء والمحدثين – في تصوره - هو صورة « لتعارضات دينية سياسية تشريعية من ناحية، ودالة على تعارضات اجتماعية ارتبطت بصراع المجموعات الحاكمة والمحكومة من ناحية أخرى»(29).
واعتبر الباحث أن زمن ابن المعتز لاذ بمبدأ « التقليد» الذي يواجه حرية العقل في الإبداع، وأن كتاباته ارتبطت ارتباطا وثيقا« بالموقف الفكري العام لتيار القدماء النقلي الذي مثله جماعة اللغويين من ناحية، وأصحاب الحديث من أهل السنة والجماعة من ناحية أخرى»(30).
وربط د. جابر عصفور فكر ابن المعتز بالجبر، وبما أسماه الممارسة النقلية الحنبلية، ووجد أن كتابات ابن المعتز تنطق بوعي طبقي حاد. ورأى أن كتابه  طبقات الشعراء « ينطوي على غرض سياسي محدد، يتصل بالصراع الذي وقع بين الأسرة العباسية وخصومها»(31).
إن المنهج المعتاد في تصور أمثال د. جابر عصفور يجعل التاريخ العربي نسخاً كاربونية متشابهة؛ يتصارع فيها القطبان، وتتكرر منذ كان التاريخ العربي إلى هذه اللحظة التي نعيشها الآن! وهو منهج يستند إلى مقولة الصراع الطبقي، وهي مقولة تجعل الفكر يُردِّدُها دوْماً ويتوهَّم أنه في كل مرة يأتي بشيء جديد.
والأولى بالعناية أن يُنظَر إلى تنامي ظاهرة البديع في الشعر العربي، وما حصل فيها من تطور في أشكالها، من زمن ابن هرمة إلى أن بلغ البديع أوجه في شعر أبي تمام. وعلى الرغم مما كُتب من أبحاث في الأدب العباسي، فإني لم أعثر يوما على دراسة تكشف بدقة عن تنامي ظاهرة البديع منذ ظهورها لدى الرعيل الأول من الشعراء المولدين، وكيف تطورت في أشعارهم، وتنوعت في أساليبهم وتشكَّلت في اتجاهاتهم!
وابن المعتز شاعر محدث، وهو يُناصر الشعر المحدث ويُنظِّر له؛ لأن هذا الشعر أصبح حقيقة ماثلة في الوجود العربي، تنفعل بها مرحلته، وما عاد يُعابُ منه إلا ما سقط في التكلف الممقوت؛ الذي تأباه الفطرة والذوق السليم.
0 تصويتات
بواسطة مجهول
ثالثا : منزلة الكتاب وأهميته النقدية
أول مؤلف  في البديع وصَنعة الشعر، كما أجمع على ذلك جميع الباحثين(3)، فهو على رأس قائمة كتب "ابن المعتز" بالنظر إلى اختصاصه لهذا الفن، ويعد فتحاً جديد ويعترف بذلك "ابن المعتز""و ما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد". وأضاف الدكتور ((إحسان عباس)) بقولـه : ((مع أن الكتـاب قد سمي باسم البديع وهو موضوعه الرئيسي، فإن ابن المعتز أضــاف إليه بعض محاسـن الكلام والشعر، لتكثر فائدة كتابـه، فتحدث في الالتفات والاعتراض والرجوع وحسن الخروج......)) ويبدو هـذا لأن ابن المعتز مصراً على أن لفظة (البديع) لا يتناول إلا الخمسـة الأولى من الكتــاب.
ويعتبر كتاب البديع نقطـة تحول هامة في الدراسات البلاغية والنقدية وعلامة بارزة في مجال النظرية الأدبيـة عند العرب. ومكانتـه في تاريخ البلاغـة تشبه مكانة ((كتاب)) سيبويـه في تاريخ البحوث اللغوية والنحويـة. فهو بإجمـاع الباحثين عربا ومستشرقين أول كتاب جعل من البلاغة غاية في تأليفه، وأول كتاب يتناول الأدب تناولاً فنيـاً.
فمــــا الذي بوأ الكتاب هذه المنزلة ؟
باستطاعة المتتبع لأطوار البلاغـة من البداية إلى نهاية القرن الثالث الهجري أن يجزم بأن قيمة الكتاب لا تكمن في مضمونـه، ولا من حيث عدد الوجوه التي أشتمل عليها، ولا من حيث الصياغة النظرية للبعض تلك الوجوه، وما يتعلق بها من تقسيم وتحديد.
إن قيمـة الكتـاب الرئيسية تكمن في صدوره عن درجات عاليـة من الوعي بمداه وحدوده وتحرك صاحبة من رؤية واضحـة منطلقات وغايات جعلت مادتـه خاضعة لتلك الرؤية لا تتجاوزها فجاء الكتاب مختصراً خاليا من كل مظاهر الاستطراد والحـشو.
ومن أبزر مظاهر الوعي والوضوح اشتمال ((البديع)) على نصوص نظريـة فيها، وعلى قصرها، عون للدارس على إدراك بواعث التأليف وغايتـه والوسائل التي وظفت لبلوغها، مما يسمح بتنزيل الكتاب في سياقه التاريخي على أصح وجه ممكن. وسنحاول الإلمام بوجوه الجدة في هذا المؤلف بالاعتماد على هذه النصوص أولاً ثم على ما يمكن استخلاصه من طريقة عرضة للمسائل وتبويبها.
• فمــاذا نجد في هذه النصوص ؟
يقول ابن المعتز مشيراً إلى فضله على غيره  ((وما جمع الفنون البديع وما سبقني إليه أحد)) هو فضل اعترف له به النقاد والبلاغيون فهذا ابن رشيق يؤكـد أن ((البديع ضروب كثيرة وأنواع مختلفة (....) على أن ابن المعتز، هو أول من جمع البديع وألف فيه كتـــاباً........))4
ومن هنا يطرح سؤال عن المقصود بالسبق إلى الجمع، إذ من السهل أن يثبت بأن المادة الواردة في الكتاب ليست استقصاء لما اهتدى إليه سلفه من الأساليب البلاغية، فهو لم يأت إلا على جانب منها، وأشرنا إلى أن ذلك لم يكن غايته.
ومن هنا يتحتم البحث عن معاني أخرى تثبت صحة ما نسبه لنفســـه وتصدق شهادة القدماء له، وفي ذلك تأويلان : أولهما ما ذهب إليه ابن رشيق في الاستشهاد السابق. وثانيهما يؤدي إليه عنوان الكتاب وبعض الإشارات المحددة لغايته.
كمـا أشاهد جابر عصفور بقوله عن كتاب البديع ومؤلفـه تتمثل كل كتابات ابن المعتز التي وصلت إلينا، والتي تنطوي على نظراتـه السياسية وأفكاره الاجتماعية وتصوراته الدينية وممارسته البلاغية وذلك يكشف من خلال هذا النص المتكامل – أي الكتاب - وعن الدلالات الأساسية التي تتسرب في كل مستوياته، والتي لا يمكن فهم أهمية الكتاب إلا من خلال قراءة التراث السابق لابن المعتز، وذلك جلياً لنا بأن يظهر مدى نضج المادة المقدمة في كتابه، ومدى قوة طرحه بنسبة لعصره. ويضيف على هذا يقول ويظهر لنا المثاقفة التي تكون معها ابن المعتز فكرياً، مما جعل الكتاب أكثر منهجيتاً، وتحديداً في أصوله البلاغة والنقدية.
وذكر إحسان عباس بقوله : ((وقد كان ابن المعتز على وعي بأن هذا الفن لم يعرفه العلماء باللغة والشعر القديم ولا يدرون ما هو وما هي الأنواع التي تقع تحتـه، وأنه مبتدع في استقصائه لصورة غير مسبوق إلى ذلك.... ولكن فضله - أي الكتاب - أنه يتمثل في حشد الشواهد على المصطلحات البلاغية من النثر والشعر في القديم والحديث))ومن خلال أقوال النقاد القدماء والمحدثين يظهر لنا جلياً مدى أهمية الكتاب في الدراسات البلاغية والنقدية، وأنه فريد من نوع في هذا الجمال حيث كتب هذا الكتاب ولم يكن هناك من أرسى لهذا الفن قواعده وخصائصه، حيث أن الكتاب يعد النواة لعلم البلاغة العربية؛ ويمس النقد الأدبي بطريقة عارضة،بعد ما شغلوا النقاد أنفسهم ببعض هذه المصطلحات البلاغية في تقويم الشعر.
كما أن ابن المعتز في تأليفه لهذا الكتاب خطوة جديدة في قضية القديم والحديث من الشعر، فبعد أن وصل الشعر المحدث إلى مرحلة المطالبة بالمساواة مع القديم والدعوة إلى النظر بعين العدل والإنصاف عند الجاحظ وابن قتيبة ؛ خطا ابن المعتز خطوة جديدة ظهرت في التأليف بأهم قضية تخص الشعر المحدث، وهي ما لازم شعر الشعراء من اتجاه فني في استخدام الفنون البديعية، والتوسع في استعمال المفردات اللغوية على خلاف ما كان القدماء يستعملونه، فتصدى ابن المعتز للتأليف في البديع، ليقول إن هذه الظاهرة ليست من ابتكار المحدثين، وإنما سبقهم إليها القدماء، فلا داعي لتوجيه سهام النقد، والعيب عليهم.
رابعاً : القضايا النقدية التي تناولها الكتاب :
وعلى الرغم من أن الكتاب يعتبر من الكتب البلاغية إلا أنـه مبني على قضية نقدية هامة أثيرت في القرن الثالث الهجري عندما قام جماعة من الشعراء، أغلبهم من أصل غير عربي، وجهوا عنايتهم إلى الصياغة الشعرية وأشكال التعبير والتصوير الفني، ولم تخل نزعتهم هذه من روح العدائيـة تجاه ((عمود الشعر)) وأملتها خلفيات ((إيديولوجية)) عرقية حضارية عرفت في التاريخ العربي الإسلامي بالنزعة الشعوبية، إلا أنـه كان يخفي صراعا حضارياً هائلا أفرزته تركيبة المجتمع المعقدة والمتوترة بسبب إقبالها على فترة تحول هامة، واحتوائها خليطاً من الأجناس والحضارات والآداب، لم تكن راضيـة كل الرضي بسيادة العرق العربي وتسلطه عليها.
فالروح في التي أملت الكتاب روح نقدية لا بلاغية، بل هي تروح تعكس تمازج النشاطين وبكيفية فريدة، لذلك تعقب ابن المعتز مسالك هذا الصراع ومجاهله، واختار المصطلح الذي استعمله أسلافه من الأدباء والنقاد، كالجاحظ، وابن قتيبة وغيرهم.
ومن هنا فالكتاب ليس فقط كتاب علمي بحت وإنما هو يعكس روح عصره، وما كان يحدث فيها من صراع الأعراق، والثقافات، والأجناس البشريـة، وعلى الرغم بأن ذلك ليس ظاهراً، إلا أنه يظهر للباحث المتزن في هذا الجانب هذا الأمر الخفي الدخيل على المجتمع العربي خاصة والإسلامي عامـة. وبعد أن تعرفنا يمكننا الجزم والقطع بأن هذا الكتاب من أهم الكتب في المجال
البلاغي والثقافي بوجه عام، حيث أمتزج فيه، بين الروح العلمية المنهجية، والروح الحضارية الثقافية في ذلك العصر.
ومن الأسباب الداعية لتأليفه كما ذكرها النقـاد والباحثيـن :-
ذكر الدكتور (إحسـان عبـاس) ((أن الروح التي أملت الكتـاب كانت تمثل جانباً من الحركة النقدية في القرن الثالث الهجري، على نحو معكوس، فبدلاً من إنصـاف الشعر المحدث، ذهب ابن المعتز  ينصف القديم، وعن هذا الطريق أكـد بأن الحديث لم يكن  بدعاً  مستحدثاً، وإنما كان الفضـل  فيه للقدمـاء، فالبديع إذن جزء من المورث ،وهو بهذا ذو أصول راسخــة، وليس العيب فيه وإنما العيب في الإفراط في استخدامه، والإفراط  مذموم في كل الأمور، وقد عرف ابن المعتز بين أبناء عصره باللهج بالبديع والإحسـاس الدقيق في استكشافه ونماذج بحثـه  عنها في الأدب العربي القديم)).
وذكر الناقد الشاعر ((عزالدين المناصرة)) ((أن  البديع ولد في الشعر القديم قبل ولادته في شعر المحدثين، وولد البديع قبل أن  يولد على يد ابن المعتـز. ويبدو أن نقـاد وشعراء زمانـه، زعموا أنهم مخترعو علم البديع. لهذا كان هدفه الأساسي ,هو إثبات وجود البديع في الشعر القديم بشكل عفوي، ويرى ابن المعتـز، أن  بعض المحدثين تعمـد استخدام البديع وأكثر منـه  ليستوي على إدعاء الســبق)).
بينمـا يخالف بعض الدارسين للأدب هذه المقولـة وأبزر من قال بها الدكتور: ابتسام مرهون الصفار، حينمـا قالت { من خلال دراستنـا للكتاب ابن المعتز هذا، وآرائه النقديـة الأخرى، وجدنـاه، قد عمـد إلى تأليف كتاب البديع دفاعاً عن الشعر المحدث، بوعي علمي، ودافع أدبي خطط لـه، فوجد أن دوره لا يتـم إلا عن طريق ترسيخ هذا الفن الذي عيب على المحدثين استعماله بوضع أصوله، وإرجاع إلى القدمـاء والأوائل الذين ملكوا الساحة الأدبيـة، وحكموا آراء النقاد المتعصبين ضد الشعر المحدث }
وفي تمحيص ما قاله النقاد أعلاه نجد أن كل ما ذكر أعلاه، فيه جانب من الصواب، غير أن  النظر من محتوى الكتاب والآراء المدرجـة فيه يؤكـد لنا بأن كان غرضـه تبيان للفن البديع، مع إثبات أنه راسخ في الشعر العربي القديم، وليـس كما ذكر بعضهم أن مبتدع في القرن الثالث الهجري،  كما لا يخفى على الدارس للنقـد القديمـة أو البلاغـة  أن هذا الكتاب فيه روح عصره،ويظهر الحركة النقدية والجدل القائم  في تلك الحقبـة الزمنيـة – القرن الثالث الهجري -ما بين التعصـب للقديم وتقديسـه،والمجددين في الشعر وأنصارهم، حيث وكأنه يصرح في كتـابه أن الشعر المحدث في تلك الفترة الزمنية لا يعيبه استخدام البديع حيث أن القدمـاء عرفوه وورد في القرآن الكريم والحديث النبوي الشـريف غير أنه لم ينضج كعلم بحد ذاتـه وأن المصطلحات العلميـة لم تعرف قبل ذلك الوقت ولهذا قام بتأليـف الكتــاب. ولا يهمنا إثبات رأى عن أخر وإنمـا المهم في الأمر هو ما قدمه الكتاب للنقد العربي والبلاغة العربيـة.حيث وضع وقسـم الكتـاب ليحتذي بـه الشعراء المحدثون حذو القدماء في الجيد من البديع، وهو في كثرة شواهده التي اختارها يدلنا على ذوقه الأدبي الرفيع من جهة، وعلى النزعـة العربيـة الخالصـة في التأليف من جهة أخرى.
• تنويه : تأثر الكتاب بالثقافات الأجنبية
ذكر د. طه حسين أن كتاب البديع أن به أثراً بيننا للفصل الثالث من كتاب الخطابة لأرسطوا، أو بعبارة أدق أن للقسـم الأول من الفصل الثالث وهو الذي يبحث في العبارة، والكتاب لا يؤيد هذا الظن، إذ كل ما فيه عربي خالص، وقد ألفه ابن المعتز مقاومـة لمن يلتمسون قواعد البلاعة في المصنفات القديمـة اليونانيـة.
ونرى في هذا القول مبالغة مفرطـة، فابن المعتز لم يؤلفـه مقاومـة للتيار الثقافة اليونانية، ولو كان القصـد قصـده هذا لما أحجم عن ذكر ذلك والإشارة إليه، ولكنه صرح بما لا يقبل الشـك بأنه ألفه، ليثبت أن القدماء عرفوا فنون البديع، ولو كان ابن المعتز مطلعاً على قواعد البلاغة اليونانية، لأفاد منها متمثلاً، أو ناقـش لآراء فلاسفتها، ولكن كتابه – كمـا يبدو من مصادره – عربي في أصوله الثقافـية، عربي في طريقة عرضـه ومعالجتـه لأنواع البديع، ويكفي أن نقارن بينه، وبين نقـد الشعر لقدامة بن جعفر لنجد الفرق بين المنهجين.
وقد رفض د. على الجندي : أن يكون الكتـاب متأثراً بالبيان اليوناني (ولو أن الجناس كان منقولاً عن اليونان، لعثرنا على أثر هذا النقل، ولو في مثال واحد على الأقل).
وأكـد ذلك قول د. حمادي حمود : أن الكتاب كان على أسس عربية صريحة وصحيحة في محاولة للإرساء علم البلاغة والنقد، وبهذا كان أول كتاب يتناول الأدب تناولاً فنياً
 ومن هذا لا يعيب حتى الكتاب أن  يكون على أسس عربية أو يونانيـة
بالمعرفة الإنسانيـة متناقلة عبر الأجيال فإن كان ذا أساس  عربي أو يوناني فالمهم  فيه هو ما يحتوي من نقاط هامة في الدراسات النقدية والبلاغية

أسئلة مشابهة

0 تصويتات
1 إجابة
سُئل أكتوبر 12، 2023 بواسطة مجهول
  • هل
  • هناك
  • اثر
  • للقديم
  • في
  • كتاب
  • طبقات
  • الشعراء
  • لابن
  • المعتز
0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك في موقع ساعدني.
X
...