تحليل نص سارتر ص32 من منار الفلسفة جدع مشترك آداب
في نصه "الوجود والعدم" الصادر سنة 1943، يتناول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر إشكالية وجود الغير. ففي هذا النص، ينطلق سارتر من فكرة أن الإنسان هو كائن حر ومسؤول عن كينونته، وأن هذا الحرية والمسؤولية تفرضان عليه أن يختار هويته بنفسه. ولكن، وجود الغير يشكل تهديدا لهذه الحرية والمسؤولية، لأنه يفرض على الإنسان أن ينظر إلى نفسه من خلال منظور الغير، وهذا ما قد يحد من حرية الإنسان ويجعله يخضع لمعايير الغير.
في البداية، يؤكد سارتر أن الإنسان هو كائن حر ومسؤول عن كينونته. فهو، على حد تعبيره، "الوجود الذي يسبق الماهية"، أي أنه ليس محكوما بطبيعة مادية أو اجتماعية معينة، بل هو يختار هويته بنفسه. وهذه الحرية والمسؤولية تجعل الإنسان مسؤولا عن كل أفعاله، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
ولكن، وجود الغير يشكل تهديدا لهذه الحرية والمسؤولية. فعندما ينظر الإنسان إلى نفسه من خلال منظور الغير، فإنه يدرك أنه موضوع للنظر، أي أنه محكوم بمعايير الغير. وهذا ما قد يحد من حرية الإنسان ويجعله يخضع لمعايير الغير.
ويوضح سارتر هذه الفكرة من خلال مثالين. في المثال الأول، يتحدث عن رجل يمشي في الشارع، ويصادف امرأة تبتسم له. فهذه الابتسامة تجعل الرجل ينظر إلى نفسه على أنه شخص جذاب، وهذا ما قد يدفعه إلى تغيير سلوكه أو تصرفاته. وفي المثال الثاني، يتحدث عن رجل يجلس في مقهى، ويسمع الناس يتحدثون عنه. فهذه الأحاديث قد تجعله يشعر بالخجل أو الإحراج، وهذا ما قد يدفعه إلى تغيير سلوكه أو تصرفاته.
وهكذا، يخلص سارتر إلى أن وجود الغير يشكل تهديدا لحرية الإنسان ومسؤوليته. فالإنسان، في وجوده مع الغير، يجد نفسه محكوما بمعايير الغير، وهذا ما قد يحد من حرية الإنسان ويجعله يخضع لسلطة الغير.
مناقشة النص
يمكن مناقشة هذا النص من عدة زوايا. فمن ناحية، يمكن القول إن سارتر يبالغ في أهمية وجود الغير بالنسبة لحرية الإنسان. فصحيح أن وجود الغير قد يشكل تهديدا لحرية الإنسان، ولكن هذا التهديد ليس دائما مطلقا. فهناك أشخاص قادرون على الحفاظ على حريتهم ومسؤوليتهم، حتى في وجود الغير.
ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن سارتر يعطي أهمية كبيرة لحرية الإنسان ومسؤوليته. فصحيح أن هذه الحرية والمسؤولية ضروريتان لوجود الإنسان، ولكنهما ليستا مطلقتين. فالإنسان، في وجوده مع الغير، مجبر على التفاعل مع الغير، وهذا التفاعل قد يحد من حريته ومسؤوليته.
وبشكل عام، يمكن القول إن نص سارتر يطرح إشكالية وجود الغير بشكل جدي ومثير للتفكير. فهذا النص يدعو الإنسان إلى التفكير في علاقته بالغير، وإلى الوعي بتأثير وجود الغير على حريته ومسؤوليته.